الثلاثاء، 7 يونيو 2011

النظريات والنماذج المفسرة للإدمان

تعكس نظريات الإدمان الاتجاهات والممارسات السائدة في هذا المجال.
توفر هذه النظريات ونماذجها الأطر المرجعية التي تساعد المتخصصين في تفهم واستيعاب أسباب الإدمان ومعرفة جوانبه المختلفة، وتستخدم للقيام بالبحوث والدراسات العلمية وفي الوقاية والعلاج ولتطوير السياسات المتبعة. وفيما يلي عرض للنظريات المعاصرة التي حاولت تفسير الإدمان:

 
أ- النظريات البيولوجية:


لاحظ الباحث " ماكليرن " بأنّ النموذج الجيني، يمكن أن يقدّم تفسيرا أكثر انتظاما من التفسير الاجتماعي- الثقافي، إذ يقول:" على كل الأحوال سيكون أحفاد وحفيدات المتعاطين للكحول بصرف النّظر عن مشاركتهم في تعاطي الخمر نتيجة لقرابتهم لأولئك المدمنين، وبصرف النظر عن الكثير من العوامل البيئية الكامنة في معظم التفسيرات الاجتماعية والثقافية، واعتمادا على المبادئ والقوانين الجينية الأساسية، سيكون هؤلاء المصابون وغير المصابين من السلالة نفسها ويشعر الباحث أنّه في الوقت الذي يتم فيه تفسير الفروق بين الجنسين في حالة الإدمان على المسكّرات، وذلك وفقا لأدوار الجنسين وللمؤثرات الثقافية الأخرى، التي لها ميزة كبيرة لا مجال للشك فيها، فإنه ينبغي صياغة موقفين ذي صلة وثيقة بموضوع حدوث تلك الحالة التي يتفوق فيها الذكور عن الإناث (من ناحية الإدمان الوراثي). ونستطيع أن نذكر بالتحديد حالتي الارتباط الجنسي (أي أن الجنسين لهما صلة وثيقة بالحالة الوراثية)، والمحدودية الجنسية (أي أن النسبة العليا للحالة الوراثية تكون لدى الذكور أكبر).
ومن إحدى المحاولات الجادّة لعزل العوامل الجينية والعوامل البيئية عن بعضها البعض في حالة الإدمان الكحولي، هي محاولة القيام بدراسة الأطفال الذين تبنتهم أسر أخرى؛ لأنّ كل طفل منهم سيشارك في العوامل البيئية التي وفرتها له أسرته الجديدة باستثناء الرابط الجيني، فالتشابه الأكيد للطفل مع بيولوجيات والديه الحقيقيين، يمكن الركون إليها واعتمادها كرابط جيني أو باعتبارها عوامل جينية موروثة. ولكن مثل هذا التصميم النظري قد تم تفنيده عمليا بواسطة الفترة الزمنية التي عاشها الطفل مع والديه الأصليين قبل فترة التبني، وبواسطة السياسات التي تتبعها وكالات التبني، وبمدى معرفة الأطفال والوالدين اللذين سيتبنونهم بوجود حالة إدمان كحولي لدى الوالدين الأصليين. وكشفت دراسة رائدة في مجال التبني عن عدم وجود فرق ذا دلالة إحصائية بين سلوكيات الإدمان الكحولي للأبناء المتبنين والذين كان آباؤهم الأصليين مدمنين، وبين أولئك الوالدين الأصليين الذين لا يتعاطون الكحول أو يتعاطونها بنسبة قليلة. ولكنّ الدراسة الحديثة التي قام بها " غودون Goodwin" وجماعته تشكك في هذه النتيجة، وتستنتج بأنّ شدة وحدّة الإدمان الكحولي للوالدين مرتبطة ارتباطا إيجابيا مع حالة الإدمان الكحولي لدى أبنائهم بصرف النظر عمّا إذا كانوا قد نشأوا عن والد مدمن، أو تربوا عند والدين آخرين أو تم تبنيهم مباشرة عند ولادتهم من قبل آخرين فالعوامل الجينية وحدها لا يحسب حسابها في نشوء وتطور وإساءة استخدام الكحول، فهناك مجموعة من العوامل البيئية هي التي تشكل وتصوغ وتدفع نحو التعاطي، ومن ضمنها الديناميات الأسرية، وسلسلة القيم الثقافية، وضغوطات الحياة اليومية.


ب- النظريات السيكولوجية:


تشير أيّة نظرة ثاقبة للأدبيات المتوافرة بشأن الإدمان، إلى أنّ الدّراسات المتنوعة قد ساهمت نوعا ما في ظهور الآراء ذات الصّلة بعلم أسباب هذه السلوكيات. والملاحظ لأدبيات البحوث السيكولوجية المتخصصة في التعاطي، يستنتج بأنّ العديد من المتعاطين للمخدّرات كانوا يعيشون غربة وانعزالية، ويعتقد أنّ الأسباب المؤدية إلى التعاطي والإدمان هي أسباب مركّبة، وغالبا ما تكون ذات صلة متبادلة مع عوامل
وترى النّظريات السيكولوجية أنّ الإدمان– على الكحوليات-هو ظاهرة من الظواهر والأعراض ذات الصلة بشخصية الفرد أو باختلالاته الوجدانية – العاطفية، ويمكن هنا تمييز العديد من النظريات السيكولوجية أهمها:

أولا: نظرية السمات:

ترى نظرية السمات بأنّ هناك سمات شخصية وخصائص معينة تُفرض على الأفراد وتحفزهم نحو الإدمان وقد جرت محاولات عديدة من أجل تحديد سمات شخصية المدمن وفقا لأنماط الشخصية وميزاتها، فقد حدد بلين بعضا من سمات الشخصية المدمنة، والتي عادة ما تذكرها الدراسات والبحوث الخاصة بتعاطي الخمر. وتتضمن هذه الميزات: حالة الكآبة المتدنية الدرجة؛ حب الاختلاط بالآخرين؛ ومشاعر الوضاعة (الإحساس بضعة النفس وهوانها) والمختلطة باتجاهات السّمو والفزع والاعتمادية على الغير). وهناك تقرير حديث يصف دراسة كندية قامت بمتابعة (1034) طفلا بدءا من مرحلة الروضة والمرحلة التمهيدية، واستمرت لمدة عشر سنوات؛ لتقييم سماتهم الشخصية وقياسها، فذكرت الدّراسة أنّ بعضهم بدأ بالتدخين فالكحول ثم بالمخدّرات الأخرى، فالبحث المكثف عن كل شيء جديد وتجنّب الأذى المتدني كانت لها دلالاتها الإحصائية في الدّراسة.
وتشير النتائج التي توصل إليها الباحثان " جيرارد وكورنتسكي Gerard and Kornetsky " عام 1955م، من خلال دراستهما للمراهقين المدمنين على الهيروين، إلى أنّ هؤلاء الشباب قد تعرّضوا إلى سوء تكيف سيكولوجي حاد جدا. ووصفا المجتمع الدراسي بأنّه مجتمع مصاب بحالات حادّة من الإحباط المصحوبة بمشاعر مملوءة "بالعبثية واللاجدوى"، وبالفشل والانتكاس، ويعاني القسم الأكبر منهم من شيزوفرينيا مبدئية أو علنية صريحة، وتبين أنّ غالبيتهم يتصفون بإشكاليات في هويتهم وكينونتهم (3-2McGrath and Scarpitti,1970, p ).
ولكنّ الباحث "أورفورد Orford" وكما هو الحال في الكثير من بحوث الإدمان على الكحول يقول:" يمكننا أن نجد بالنسبة لأيّة عبارة نعثر عليها في أدبيات البحوث المتعلقة بالعلاقة بين الإدمان الكحولي وبين الشخصية؛ نتيجة مناقضة لها في دراسة أخرى"(Robinson, 1976, p 53). إذن ليس من المدهش ولا المثير أنّ تصبح العديد من سمات وخصائص السكارى الشخصية " والمتميزة " أقل أهمية مع استعمال اختبارات مقننة للشخصية الذاتية. وفي مراجعة قام بها الباحث "سيم Syme " للدّراسات "المنضبطة والمنتظمة"؛ استنتج قائلا: " لم تظهر أيّة نتائج معتمدة تشير إلى أنّ المدمنين للكحوليات كمجموعة يمكن تمييزها عن المجموعات الأخرى من النّاس العاديين" (Robinson, 1976, p 53).
ثانيا: نظريات التعلّم: حاولت نظريات التعلّم ذات الصّلة بالأنماط المتنوعة، أن تفسر أسباب لجوء بعض الناس إلى الإدمان على الخمور، فيرى بعض المنظرين أنّ تناول الخمور؛ ما هو إلاّ انعكاس اشراطي (Reflex) لأنواع معينة من المثيرات (Stimulus)، أو أسلوب للتقليل من اضطراباتهم وقلقهم ومخاوفهم. ووفقا لمبدأ اللذة تؤمن مثل هذه النظريات بأنّ النّاس يقبلون على المواقف المفرحة واللذيذة، ويتمردون على الشيء المحزن والمؤلم أو المواقف التي تثير التوتر والضغط، فالفرضية الأساسية لنظرية التعزيز التعليمية، هي أنّ العملية التعليمية لأي ارتباط بين مثير واستجابة؛ إنّما تتطلب بالتأكيد وجود نوع من المكافآت. ويقترح الباحثان "دولارد وميلر Dollard and Miller"، بأنّ الخمر هو المعزز؛ لأنّه يؤدي إلى التقليل من الخوف والصراع والقلق، في حين يعتقد الباحث "باندوراBandura " أنّ تناول الخمر بصورة مفرطة؛ إنّما يتم من خلال التعزيز الإيجابي النّاجم عن المثبط المركزي والعناصر المخدّرة للكحول، فالأفراد الذين يكررون استعماله نتيجة لتعرضهم للضغوطات البيئية، هم الذين سيكونون أكثر عرضة للإقبال على تناول المخدّرات وبشكل أكثر من أولئك الذين يتعرضون لضغوطات أقل، والذين تعتبر المخدّرات بالنسبة لهم ذات قيمة تعزيزية ضعيفة ومتدنية Robinson,1976, p 54-55)).
ثالثا: النّظرية النّفسية الدّينامية (Psychodynamic Theory):تفسّر هذه النّظرية الإدمان بمجموعة من العوامل هي:
- ينشأ الإدمان عندما يبدأ الأفراد باستعمال الكحول والعقاقير المخدّرة، واللّجوء إلى السلوكيات الأخرى لتجريب اللذة أو للهروب من الألم.
- يؤدي الصراع بين الأنا الدنيا والأنا العليا إلى إساءة استخدام المواد المخدّرة للتخفيف من القلق والاضطراب.
- الرعاية الذاتية (Self-Care) والمحافظة على الذّات (Self-Preservation) هي من مهمات وواجبات الأنا التي تقوم بتنظيم المشاعر وتنسيقها. وعليه، تؤدي النّقائص والاختلالات في الرعاية الذّاتية وفي تقديرها واحترامها مع الإحساس بالكينونة وبالرفاهية جنبا إلى جنب مع الفشل والنكوص في ضبط الوجدانيات والسيطرة عليها إلى الإدمان,p 32-33) 2000 Rasmussen, ).
رابعا: نظرية التحليل النّفسي(Psycho - analysis Theory):
تقوم سيكولوجية الإدمان حسب نظرية التحليل النفسي على أساسين، يتمثل الأساس الأوّل في صراعات نفسية تعود إلى: الحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى إثبات الذّات والحاجة إلى الإشباع الجنسي النرجسي. وعليه، ففي حالة فشل الفرد في حل تلك الصراعات؛ فإنّه يلجا إلى التعاطي. ويتمثل الأساس الثاني في الآثار الكيميائية للمخدّر. وتفسّر نظرية التحليل النفسي ظاهرة الإدمان في ضوء الاضطرابات التي يتعرض لها الفرد في طفولته المبكرة، التي لا تتجاوز السنوات الثلاث أو الأربع الأولى، كما تفسّرها أيضا باضطراب العلاقات الحبّية في مرحلة الطفولة المبكّرة بين المدمن ووالديه، التي تتضمن ثنائية العاطفة، أي الحب والكراهية للوالد في الوقت ذاته، هذه العلاقة المزدوجة تسقط وتنقل على المخدّر، عندها يصبح المخدّر رمزا لموضوع الحب الأصلي الذي كان سابقا يمثل الخطر والحب معا، وترى هذه النظرية أنّ المدمن يلجأ إلى التعاطي من أجل طلب التوازن بينه وبين الواقع الذي يكاد أن يتعثر فيه، فيجد في المخدّر سندا له يساعده في حفظ ذلك التوازن (عبد المنعم، 2003، ص83-84). ويربط الكثير من مؤيدي نظرية التحليل النفسي حالة الإدمان الكحولي مع التركيز الجنسي الفموي، فالمدمنون يلجأون إلى استخدام العقاقير من أجل تحقيق لهفتهم الفموية- وهي بالطبع اللهفة الجنسية- والحاجة الماسّة للشعور بالأمن، وتنبثق الكآبات الفموية والإحباطات من الأطر الأسرية البائسة على حدّ تعبير هؤلاء المنظرين.
أما فيما يتعلق بالموقفين الأساسيين الآخرين لنظرية التحليل النفسي اللّذين صاغهما الباحثان "ما كورد وما كورد McCord and McCord " فهما:

- النظرية الألديرية: القائلة بأنّ الإدمان يمثل صراعا من أجل القوّة.
- النظرية– لم تسمى- القائلة: بأنّ الإدمان ينشأ على هيئة استجابات للصراعات الداخلية(Robinson,1976, p 56).
لكن الدلائل والإثباتات لنظرية التحليل النفسي ليست حاسمة ولا نهائية؛ لصعوبة ابتكار وتكوين اختبارات عملية تجريبية للتأكّد من مثل تلك الافتراضات.


ج- النّظريات الاجتماعية- الثقافية:

لا تخلو النظريات السيكولوجية المفسرة للإدمان من الانتقادات، فالنتائج التي توصل إليها الباحث "فاينستون Finestone " في دراسته المعنونة بـ:"المخدّرات وعلم الإجرام" عام 1957م لا تتفق مع مفهوم "الرجل المريض" الذي يوصف به المتعاطي للعقاقير المخدّرة. إذ لاحظ بأنّه ليس هناك دليل لأي تركيز مكثّف صادر عن المراهقين من ذوي الاختلالات في شخصياتهم في المحيط الذي يعيشون فيه، والذي يمتاز بأعداد كبيرة من الشباب المتعاطين للعقاقير المخدّرة. وبما أنّ العديد من المدمنين يقيمون في مناطق تكثر فيها الانحرافات، فإنّ هذا الاستنتاج قد عززته وساندته دراسة قام بها الباحث "فولكمان Volkman" عام 1958م الذي وازن بين مجموعة من المنحرفين ومجموعة أخرى من غير المنحرفين، واستنتج أنّ شخصية المدمن لم يكن لها ارتباط من الناحية السببية، واستنتج الباحث " وينك Winick "عام 1957م بأنّ هناك خللا في الدراسات السيكولوجية لمتعاطي العقاقير المخدّرة؛ لأنّ تلك النتائج انبثقت من بيانات تمّ تجميعها من أفراد مسجونين. ومعنى هذا الكلام أنّ الأفراد الذين قام معظم الباحثين بدراسة قضاياهم قد كانت من الأمور المنتهية بالنسبة إليهم، أو كانت شخصياتهم مستنتجة من عناصر وعوامل أخرى. ولا يتفق علماء الاجتماع كثيرا مع أولئك الذين ينظرون إلى استخدام العقاقير، والذين ينظرون إلى كافة الانحرافات الاجتماعية الأخرى على أنّها فقط مظاهر ومواصفات لبعض الظروف والحالات السيكومرضية. وقلّما تمّ قبول مثل هذا الاتجاه في ميادين علم الاجتماع العامة، ولا من قبل علم الإجرام أو علم النفس، ومثل هذا الاتجاه السوسيولوجي لتفهم واستيعاب استخدام المخدّرات يمثله الباحث "كلوسن" أحسن تمثيل، عندما يشير إلى الدراسات والبحوث التي تناولت الشخصية ونموها للساكنين في قاع المدينة، أي الأماكن المتدنية المستوى، فأشار إلى أنّهم كانوا من ذوي الصفات والسمات الشخصية المتشابهة تماما، على عكس ما يظن البعض بأنّها سمات ينفرد بها المدمنون فقط. ويفترض الباحث بأنّه ربما تكون سلاسة الضوابط الاجتماعية في مثل تلك المناطق المتدهورة جنبا إلى جنب مع وفرة المخدّرات فيها؛ عوامل تفرض نفسها من ناحية ارتباطها بالنسبة المرتفعة في الإقبال على تعاطي المخدّرات (MacGrath and Scrapitti, 1970, p 5-7 ).
وتفترض النظريات الاجتماعية وجود علاقة سببية بين تطور نوع ما من الإشكالية الإدمانية وبين الإطار السوسيوثقافي الذي تحددت فيه مواقع هذه الإشكالية وأمكنتها، وتطرح السؤال التالي: ما وظيفة الأسرة والبيئة والثقافة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الكامنة في تطور الإدمان؟
أولا: نظرية الأسرة: لا تؤمن نظرية الأسرة بالمبدأ القائل بأنّ الإدمان هو مشكلة فردية أو داء، وتتحقق نظرية الأسرة من كيفية مساهمة الأسرة في عملية الإدمان، وكيفية تأثير هذه المشكلة في كل فرد من أفراد الأسرة والأعباء الناجمة عن الأسرة بمجملها، فالإدمان إذن هو آلية من آليات المواجهة، والتسامح من جانب الأسرة يرسخ الإدمان، ومع مضي الوقت تتطور "الطقوس والقواعد" الأسرية التي تعمل على تحديد السلوكيات والأدوار التي يقوم بها أفراد الأسرة كافة تجاه الإدمان، فالاتصالات السّيئة والتعبير المحدّد والمحدود عن المشاعر؛ هي التي تتمتع بها الأسرة المصابة بالإدمان، والتفاعلات والتكهنات ستكون غير ثابتة وغير مستقرة، والسلوكيات الفظّة من جانب الأبناء هي الشائعة تماما في الجو الأسرى، ويكون الوضع سلبيا للغاية، إذ يسود النكران والغضب وعلاج الذات بما يحلو لصاحبها، ويتطور الإدمان المشترك ومع تطوره يصبح هذا الإدمان متفشيا في أفراد الأسرة، فتتصاعد حدة الخلل الوظيفي، وتشعر زوجة المدمن بأنّ كل شيء في داخلها وفيما حولها ليس تحت سيطرتها والأمور كلّها سائبة، فتتحمّل المسؤولية وتحاول أن تضبط نفسها وزوجها وسلوكياته تجاه تناول الشراب، وغالبا ما يتباين هذا التسامح ويتراوح بين القيام بعملية إنقاذ لزوجها وبين القيام بتوجيه اللّوم إليه ومعاتبته، ومصاحبة المدمن يديم الإدمان ويعززه، ويزيد من الخلل الأسري داخل الأسرة، وسيؤدي الاكتشاف المبكر للإدمان إلى حدوث انتكاسة جديدة، وربما يضطر الأطفال لأن يكونوا كبش فداء أو كأطفال ضائعين (Rasmussen, 2000, p 34).
ويبين "ولكر Walker" أنّ هناك نوعين من العوامل التي ترتبط بإدمان الأبناء عند وصولهم إلى سن المراهقة هما:
- صراعات خاصة بالرغبة في الاعتمادية، وتشمل:
- التذبذب الذي تبديه الأم بين العطف والحنان وبين النبذ.
- تهرب الأم من الأزمات الأسرية، وانصرافها إلى الخمر.
- انحراف سلوك الأم.
- إهانة الأب للأم.
- العلاقات المتنافرة بين الوالدين.
- عدم تقبل الأم لدورها الأمومي.
- عدم قدرة الطفل على إدراك دوره في المجتمع، ومن العوامل المتعلقة بهذا العجز:
- نبذ الوالدين للطفل.
- انعدام طموحات الوالدين بالنسبة لمستقبل أبنائهم.
- تهرّب الأب من المسؤولية الملقاة على عاتقه، وانعدام الرقابة على سلوك الطفل.
- ضعف الضوابط المفروضة من قبل الأم على سلوك الطفل.


 نظرية الأنساق:

تحاول نظرية الأنساق أيضا تفسير الإدمان، وتضع في اعتبارها مجموعة من الأنظمة السائدة وبيئات هذه الأنظمة، فالمؤسسات وعمليات التواصل والتفاعل والاعتمادية المتبادلة والمشتركة وتكامل الأجزاء والعناصر، هي التي تتميز بها هذه النظرية. ووفقا لما يذكره الباحث "برتالافي Bertalanffy " 1968م، فإنّ الأنظمة الحية كافة هي أنظمة منفتحة، ويحافظ النظام المنفتح على المدخلات والمخرجات المستمرة ذات العلاقة بالطاقة وبيئتها، ويصبح هذا النظام المنفتح أكثر تنوعا وتعقيدا وتنظيما. أمّا النظام المنغلق؛ فهو نظام منعزل عن بيئته، ويتوجه نحو "اللانظام" والفوضى المتزايدة. وتنظر نظرية النظم إلى الناس على أنّهم كائنات اجتماعية بدلا من النّظر إليهم على أنّهم ككيونات سيكولوجية أو بيولوجية، والتفاعل ما بين الفرد والبيئة أمر حيوي للغاية، فإزالة آثار المخدّر لمدمن متشرد ستكون معاملة سيئة إذا كان هذا المدمن سيرمى في الشارع مرة أخرى.
وإذا ما تم تطبيق نظرية النظم على الأسرة المدمنة، فسيكون من الواضح أنّ إساءة استخدام العقاقير أو ممارسة أي سلوكيات إدمانية، إنما يستهدف تحقيق غرض ينصب في النظام الأسري، ومن ثم فإنّها-الأسرة- ستؤدي دورا في بداية الإدمان، وفي تطوره، وفي معالجته.
ثالثا: النظرية الأنثروبولوجية:تركز النّظرية الأنثروبولوجية على القيم والاتجاهات والميول والمعتقدات، وعلى المبادئ والمعايير التي يؤمن بها المجتمع بالنسبة لاستخدام المخدّرات والسلوكيات الادمانية الأخرى، فالشعوب البدائية تعرف المخدّرات وتستخدم الأنواع العديدة منها، ولكن الإدمان على أيّ نوع منها نادر الحدوث، وتفيد الدراسات الثقافية المقارنة بأنّ الوظيفة والدلالة الرئيسية للكحول في كل المجتمعات هي التقليل من التوتر، الذي عادة ما يرتبط باللااستقرار والقلق الاجتماعي ومع الاختلال الوظيفي، أو مع التغير الذي يحدث في كل زاوي.

 

هناك 7 تعليقات: